أنباء المتوسط – طنجة
يبدو أن لوبي الشركات البحرية لم يكتف بالتحكم في أسعار التذاكر الملتهبة فقط، بل انتقل إلى مستوى آخر من الاحتكار والتوغل في دواليب المصالح المعنية بالزجر والمراقبة.
أغلب الرحلات التي تبرمجها الشركات البحرية بين ميناء طنجة المتوسط والجزيرة الخضراء لا تحترم التوقيت المبرمج، وقد تصل مدة التأخير إلى ما يفوق 6 ساعات، إذ أصبح من المعتاد وفي أحسن الأحوال أن ينتظر المسافر ساعتين أو أكثر من التأخير، على عكس مايقع في الضفة الأخرى، إذ لا تسمح سلطات ميناء الجزيرة الخضراء بهذه التجاوزات.
مصادر مطلعة أكدت أن من بين أسباب تأخر البواخر بميناء طنجة المتوسط هو جشع الشركات البحرية والتنافس من أجل الظفر بأكبر عدد ممكن من الشاحنات والسيارات، رغم أن المرحلة تقتضي إعطاء أهمية أكبر للمسافرين، وهو ما ينص عليه قانون الملاحة التجارية ليس فقط خلال عملية “مرحبا” بل خلال سائر الأيام.
هنا يطرح السؤال نفسه، أين هو دور مصالح المراقبة وعلى رأسها مديرية الملاحة التجارية، وقبطانية الميناء ؟
لماذا تحترم الشركات البحرية توقيت المغادرة بميناء الجزيرة الخضراء ولا تحترم ذلك بميناء طنجة المتوسط ؟
مسؤولون عن شركات بحرية يبررون تأخر بواخرهم بميناء طنجة المتوسط بسبب المراقبة الأمنية لجوازات السفر أمام بوابة الباخرة قبل صعود ونزول المسافرين. صحيح أن هذه العملية قد تزيد من مدة الشحن والإفراغ لكنها تبقى ضرورية بالنسبة لأمن بلادنا وتدخل في صلب الإجراءات الأمنية المعتمدة بموانئ المملكة، ويجب على الشركات البحرية أخذها بعين الاعتبار عند برمجة الرحلات قبل الإعلان عن توقيتها، وكذلك بالنسبة للأيام التي تشهد أحوالا جوية مضطربة عند ارتفاع الموج وهبوب الرياح القوية التي تأثر على عملية الرسو والإبحار.
فيما يخص الخطوط الطويلة التي تحتكرها شركتان أجنبيتان فرنسية وإيطالية، تسيطر هذه الأخيرة (Grandi Navi Veloci) على ما يزيد عن 80 في المائة من عدد الرحلات البحرية بين المغرب وكل من إيطاليا، فرنسا وإسبانيا، ورغم ذلك لم يتحرك مسؤول الشركة بالمغرب بعد أن عمدت الشركة الأم إلى تحويل باخرة “Exellent“ التي تبلغ طاقتها الاستيعابية 2253 مسافر و 760 سيارة، من خط طنجة المتوسط / فرنسا / إيطاليا، إلى خط فرنسا / الجزائر، حيث وصلت أول رحلة للباخرة التي تم تجديدها بالكامل إلى ميناء بجاية الجزائري يوم 9 يونيو 2025. علما أن الباخرة “Exellent“ كانت تربط المغرب بأوروبا منذ سنوات، حيث تم تعويضها بباخرة مهترئة“GNV Atlas“ التي تجاوز عمرها 35 سنة، وبسعة استيعابية لا تتجاوز 1716 مسافر و 575 سيارة. كل هذا يجري خلال عملية “مرحبا” وتحت أعين مديرية الملاحة التجارية وكافة السلطات ولا من يحرك ساكنا.

أما بالنسبة للشركة الفرنسية “La Méridionale“ فتلك حكاية أخرى، فبعد أن توقف العمل بباخرتها “Pelagos“ التي سيطر عليها لولبي “الفوركون”، استقدمت الشركة باخرة “Massalia“ بعد إجراء إصلاحات عليها، لكن للأسف رحلتها الأولى نحو طنجة المتوسط لم تكن موفقة، حيث أكدت مصادرنا أن الباخرة لم تتمكن من إنزال المسافرين وإفراغ حمولتها نظرا لعدم توافق بوابتها مع أرصفة الميناء، مما تسبب في انتظار المسافرين لأكثر من 4 ساعات على متن الباخرة من أجل النزول من على متنها، كما ظهرت بها عيوب على مستوى مكيفات الهواء ومشاكل بالغرف، ولا نعرف إلى حدود الساعة ماهي الإجراءات التي قامت بها مصالح المراقبة سواء تلك التابعة لوزارة النقل أو تلك التابعة لوزارة الصحة، وهل تم تنظيم رحلة تجريبية إلى الميناء قبل رحلتها الأولى و هل تم تسجيل الملاحظات الضرورية وخاصة عدم ملائمة بوابة الباخرة لأرصفته أم لا؟
أما أثمنة التذاكر بالنسبة للرحلات الطويلة فهي كارثية بامتياز وتظهر مدى استغلال الشركات الأجنبية للمواطن المغربي المقيم بالخارج دون حسيب ولا رقيب، حيث تجاوز هذه السنة ثمن تذكرة ذهاب وإياب بين المغرب وإيطاليا 4000 أورو بالنسبة لعائلة متكونة من أربعة أفراد مع سيارتهم، وهو مايستدعي تدخلا عاجلا من الجهات المعنية من أجل وضع حد لهذه الفوضى، وتشديد المراقبة الإدارية والتقنية والصحية على هذه البواخر ، وعدم التحجج بأن الإجراءات الصارمة قد تأثر على السير العادي لعملية “مرحبا“ لأن هذه الحجة واهية وتثير الشكوك حول علاقة بعض ممثلي الشركات البحرية ببعض المسؤولين المغاربة وببعض المكلفين بالمراقبة والتتبع تحديدا. علما أن ممثلي مؤسسة محمد الخامس للتضامن المشرفة على تنظيم عملية “مرحبا”، يقومون بالمعاينة الميدانية لهذه الاختلالات سواء داخل أو خارج أرض الوطن أو على متن هذه البواخر، ويوثقون شكايات أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج خلال عبورهم للموانئ الأوروبية وكذلك عند وصولهم إلى أرض الوطن، وهو ما يتوجب معه اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والتنسيق مع جميع القطاعات من أجل تطبيق القانون وحماية المواطنين من جشع الشركات البحرية التي تنتهز الفرصة كل فصل صيف من أجل استنزاف جيوبهم.